ولد زين الدين يزيد زيدان عام 1972 في مارسيليا ويلقبه اصدقاؤه زيزو. لايختلف احد على ان زيدان افضل لاعب كرة في العالم حاليا وقد نال فرصته الاولى للعب دوليا عندما اصيب دجور كاييف قبيل مباراة مع تشيكيا عام 94 وتقدم المنتخب التشيكي 2-0 في نهاية الشوط الاول وكان زيدان على مقاعد الاحتياط وفي منتصف الشوط الثاني طلب منه المدرب اميه جاكيه ان يدخل الملعب وكان زيدان متخوفا من الفشل وبعد ان مرر الكرة 3مرات خطا علا صفير الاستهجان من المدرجات لكنه انقلب تصفيقا عندما اطلق كرة من25 ياردة لتعانق الشباك ولم يكتف بذلك بل تمكن من تسجيل الهدف الثاني في الثواني الاخيرة واشادت الصحف الفرنسية به وبدا زيدان يلفت انتباه الاندية الكبيرة في اوروبا بعد ان قاد بوردو الى نهائي كاس الاتحاد الاوروبي عام 96 عندما خسرها امام بايرن ميونيخ فقد ضمه نادي يوفنتوس الى صفوفه مقابل 6ملايين دولار.
لم ينس زين الدين زيدان هذه الحكاية مطلقا والتي دارت أحداثها سنة 1988 .. وقتها لم يكن زيدان هو نجم الكرة الذي ملأ الدنيا وشغل الناس .. كان مجرد صبي من أصل عربي في السادسة عشرة من عمره يحب ويحلم أن يلعب كرة القدم .. رآه " جان فاروود " يلعب مع الأولاد الآخرين في ناد محلي اسمه " سيتامب " .. أدرك " فاروود " أنه أمام صبي موهوب .. أخذه لنادي " كان " ليلعب هناك .. ولكن مدير نادي " كان " لم يقبل حتى مناقشة هذا الأمر مع فاروود .. لم يكن مدير نادي " كان " علي استعداد مطلقا لأن يقبل في ناديه صبيا عربيا قذرا .. وانصرف زيدان مهزوما ومجروحا أيضا .. وكادت تنتهي رحلته مع الكرة قبل أن تبدأ لولا مسئول أخر أيضا في نادي " كان " اسمه " جان كلود الينيو " .. وجد جان أن الحل بالنسبة لزيدان هو أن يولد من جديد كصبي فرنسي .. وهكذا انتقل زيدان من بيت أبيه العامل في أحد محال السوبر ماركت ليعيش في بيت "جان كلود الينيو" ومع أولاده .. وهناك قرر زيدان أن يبدأ حياته من جديد .. أن ينسي كل السنوات التي عاشها .. فكان أن وافق مدير نادي "كان" على ضم زيدان الفرنسي للفريق ...لم ينس زيدان هذه الحكاية مطلقا .. مهما تغيرت ظروفه ومهما دارت به أيامه وزادت انتصاراته وتعددت بطولاته .. لا ينسى زيدان أنه لم يصل إلى كل ذلك إلا حين تنازل عن عروبته مكتفيا بحياته كمواطن فرنسي مسلم .. وبسبب هذه الحكاية .. بقى زيدان دائما يرفض أي انتماء عربي .. وبقى كثير من العرب لا يعرفون ذلك واستمر الأمر كما لو أن الطرفين توصلا لاتفاق غير مكتوب .. العرب سعداء وفخورون للغاية بزيدان العربي الذي أصبح نجم نجوم العالم كله .. يكتبون عنه في صحافتهم ويحكون عنه ويشيدون بالعربي الذي أجبر فرنسا وأوروبا كلها على أن تنحني له تقديرا وحبا واحتراما .. وزيدان من ناحية أخرى لا يعلق ولم يكترث بكل ذلك باعتبار أن ما يقوله العرب إنما يقولونه في إعلامهم المحلي وللإستهلاك المحلي أيضا بعيدا عن أوروبا وأهلها وصحافتها . وكان من الممكن أن يدوم مثل هذا الاتفاق غير المكتوب طويلا .. زيدان في حاله ونحن في حالنا .. هو يقول ما يريد ونحن نكتب عنه ما نشاء .. لولا أزمة انفجرت منذ فترة قريبة جدا ألغت مثل هذا الاتفاق وأجبرت كل الأطراف على أن تعيد حساباتها وتراجع مواقفها من جديد الأزمة أشعل فتيلها استفتاء للرأي نشرت نتائجه صحيفة لوجورنال دو ديمانش .. وأكد هذا الاستطلاع أن زين الدين زيدان يأتي على رأس قائمة الفرنسيين الأكثر شعبية في فرنسا ، وما أن تم الإعلان عن نتيجة الاستفتاء حتى قامت الدنيا .. البعض أبدوا انزعاجهم من تراجع رجل دين يناصر الفقراء أمام شعبية كرة القدم الطاغية التي يمثلها زين الدين زيدان .. بعض أخر رأى أنه أمر يستحق التوقف والاهتمام أن يتصدر الرياضيون والفنانون المراكز الأولى في الاستفتاء في حين جاء رئيس الجمهورية جاك شيراك في المركز الثاني والعشرين .. ولكن بعد أن هدأت الضجة وخفت صورة المقارنة بين رجال الدين وبين لاعبي الكرة .. أو بين الفنانين والسياسيين .. لينتبه الجميع على اختلاف توجهاتهم ومواقفهم ورؤاهم السياسية والثقافية والفكرية إلى حقيقة أهم وأخطر وأشد إزعاجا وإقلاقا .. وهي أن هناك على رأس قائمة أكثر الفرنسيين شعبية رجل غير فرنسي الأصل.. وأصبح الجدل والنقاش هو هل يعتبرون فوز زيدان بالمركز الأول إهانة للكبرياء الفرنسية .. أم يرون فيها تحية لفرنسا منارة الفكر والحرية في العالم كله والتي تفتح أبوابها وقلبها للقادمين من مختلف بلدان الدنيا تمنحهم جنسيتها وكثيرا من روحها وضميرها ووجدانها . وانقسمت فرنسا .. فريق رأى الإهانة وقعت بالفعل ويجب مداواتها وعلاجها وتصحيحها .. وفريق يرى أن التحية تعلي من قدر فرنسا ومكانتها وهذا شيء يستحق أن يحتفل به وأن يحافظ عليه الجميع .. لأن كثيرا من العرب في فرنسا ليسوا ضيوفا مرغوبا فيهم .. ولأن هناك تيارا متطرفا يرى أنه لا مستقبل آمنا ومطمئنا لفرنسا إلا بطرد هؤلاء الفقراء العرب من عششهم وأكواخهم وإغلاق أبواب فرنسا .. فقد خشي زيدان أن ينتصر المتطرفون ويؤثروا على شعبيته ومكانته .. خاف زيدان أن ينجح هؤلاء المتطرفون في الربط بينه وبين المهاجرين العرب .. فلم يعد الصمت يكفي .. جاءت لحظة المواجهة والحسم والاعتراف أيضا. ولأن زيدان لم ينس الحكاية القديمة التي وقعت له منذ اثنى عشرة سنة .. فقد سارع ليعلن للجميع ببساطة وقسوة واختصار أنه ليس عربيا .. و لم يكن عربيا في أي يوم مضى ولن يصبح عربيا في أي يوم قادم ..
وكانت هي المرة الأولى التي يتحدث فيها عن ذلك .. فالجدير بالذكر وبالملاحظة أيضا أن زيدان على كثرة نجاحاته وحواراته ولقاءاته التليفزيونية والصحفية لم يشر مرة واحدة إلى الجزائر ولا إلى العرب .. كل حكايات زيدان وحواراته تبدأ من سن السادسة عشرة .. تبدأ من تاريخ التحاقه بنادي كان الفرنسي كناشئ فرنسي يعيش في بيت كلود الينو .. وإذا كان للفرنسيين عذرهم في أنهم لم يهتموا ولا توقفوا عند هذه الملاحظة باعتبار أن هذا التجاهل المتعمد يريحهم من هموم وأعباء نفسية واجتماعية كثيرة .. فإنه لا عذر هنا لئلا ينتبه الإعلاميون العرب لمثل هذا التجاهل المتعمد والقاسي والطويل والدائم أيضا .. هؤلاء الإعلاميون الذين أتعبوا الناس وأرهقوا أنفسهم بالحديث عن عروبة زيدان وانتصاره كعربي في فرنسا وأوروبا لم يدركوا أن زيدان نفسه لم يذكر هذه الحقيقة البسيطة ولم مرة واحدة .. صحيح أن زيدان بقي ولا يزال بار بوالديه .. إسماعيل ومليكه .. ولا تزال علاقته طيبة بأشقائه ..جميل وفريد ونورالدين وشقيقته ليلى .. إلا أن حدود هذه العلاقة هي أن يساعدهم ماديا فقط وأن يتصل بهم بين الحين والآخر ..لكنه منذ أن انفصل عنهم ليعيش مع المدير الفرنسي في بيته وهو لا يسكن مع أهله ولا يقاسمهم حياتهم أو معاناتهم .. تزوج من أسبانية اسمها فيرونيك وأهدى أهله منزلا ليعيشوا فيه بعيدا عن فقر " كاستيلين " .. وحين أنجب زيدان من فيرونيك طفليه .. كانت المفاجأة هي إصراره على أن يمنح طفليه اسمين أوروبيين .. إنزو ولوكا .. ومن وجهة نظره لم يكن هذا الاختيار يمثل أية مفاجأة على الإطلاق .. رجل فرنسي تزوج من أسبانية وأنجبا طفلين يحملان اسمين فرنسيين .. ما هو الغريب إذن !! وإذا كان العرب لم يتنبهوا للحقيقة الأولى وهي أن زيدان لا يتحدث مطلقا عن طفولته في حي "كاستلين" الفقير في " مارسيليا" .. ولم يستوقفهم رفضه لطلب أبيه بأن يطلق على طفليه اسمين عربيين .. فالعرب أيضا لم ينتبهوا لتصريحات زيدان عقب فوز فرنسا بكأس العالم منذ سنتين .. يومها توقف كثير من المحللين حول طبيعة هذا المنتخب الفرنسي الفائز بكأس العالم .. ففي ذلك المنتخب كان هناك ليزارازو القادم من إقليم الباسك .. وهناك يوجوسيان ودوركاييف من أرمينيا .. وكاريمبو من جزيرة بولنيزيا .. وتورام من جزيرة جواديلوبياس .. وقيل يومها أن الفائز بكأس العالم هو منتخب للفرنسيين والفقراء الذين فتحت لهم فرنسا أبوابها واحتضنتهم رائدة الحرية في العالم ومنحتهم شرف الانتماء لها واللعب باسمها .. يومها أيضا قبل هؤلاء اللاعبون مثل هذه المقولة إلا زين الدين زيدان .. هو الوحيد من بينهم الذي رفض الاعتراف بغربته عن فرنسا وأصر على تأكيد أنه فرنسي وليس عربي الأصل