إبراهيم الحدادي
قال الله تعالى : ( وربك يخلق ما يشاء ويختار)، والاختيار هو الاصطفاء.
ومن اختياره وتفضيله اختياره بعض الأيام والشهور وتفضيلها على بعض، وقد اختار الله من بين الشهور أربعة حُرما قال تعالى :
( إن عدة الشهور عند الله إثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق الله السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم ).
وجاءت السُنة بذكر أسماءها :
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاث متواليات ذو القَعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان)) رواه البخاري ومسلم .
وللأشهر الحرم مكانةً عظيمة ومنها شهر رجب لأنه أحد هذه الأشهر الحرم قال تعالى:
( يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ).
أي لا تحلوا محرماته التي أمركم الله بتعظيمها ونهاكم عن ارتكابها فالنهي يشمل فعل القبيح ويشمل اعتقاده.
وقال تعالى: ( فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) أي في هذه الأشهر المحرمة.
فينبغي مراعاة حرمة هذه الأشهر لما خصها الله به من المنزلة والحذر من الوقوع في المعاصي والآثام تقديرا لما لها من حرمة، ولأن المعاصي تعظم بسبب شرف الزمان الذي حرّمه الله؛ ولذلك حذرنا الله في الآية السابقة من ظلم النفس فيها مع أنه - أي ظلم النفس ويشمل المعاصي - يحرم في جميع الشهور.
من البدع المحدثة في شهر رجب :
1— الصوم في رجب :
لم يصح في فضل الصوم في رجب شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه.
وإنما يشرع فيه من الصيام ما يشرع في غيره من الشهور، من صيام الاثنين والخميس والأيام الثلاثة البيض وصيام يوم وإفطار يوم، وقد كان عمر رضي الله عنه ينهى عن صيام رجب لما فيه من التشبه بالجاهلية.
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -:
" لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا في صيام شئ منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة... والأحاديث الصريحة الواردة.. تنقسم إلى قسمين: ضعيف وموضوع " !!،
وقد جمع-رحمه الله-الضعيف فكان 11 حديث ، والموضوع 21 حديث !!
قال الإمام ابن القيم: " ولم يصم صلى الله عليه وسلم الثلاثة الأشهر سردا ( أي رجب وشعبان ورمضان ) كما يفعله بعض الناس ولا صام رجبا قط ولا استحب صيامه ".
وفي فتاوى اللجنة الدائمة: " أما تخصيص أيام من رجب بالصوم فلا نعلم له أصلا في الشرع".
2- العمرة في رجب :
لم تدل الأحاديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في رجب ولهذا كان من البدع المحدثة في مثل هذا الشهر تخصيص رجب بالعمرة واعتقاد أن العمرة في رجب فيها فضل معيّن.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله في فتاويه: أما تخصيص بعض أيام رجب بأي شيء من الأعمال الزيارة وغيرها فلا أصل له لما قرره الإمام أبو شامة في كتاب البدع والحوادث وهو أن تخصيص العبادات بأوقات لم يخصّصها بها الشرع لا ينبغي إذ لا فضل لأي وقت على وقت آخر غير ما فضله الشرع بنوع من العبادة أو فضل جميع أعمال البر فيه دون غيره ولهذا أنكر العلماء تخصيص شهر رجب بكثرة الاعتمار فيه ، ولكن لو ذهب الإنسان للعمرة في رجب من غير اعتقاد فضل معيّن بل كان مصادفة أو لأنّه تيسّر له في هذا الوقت فلا بأس بذلك.
3- صلاة الرغائب:
وهذه الصلاة اختلقها بعض الكذابين وهي تقام في أول ليلة من رجب. قال عنها الإمام النووى: " هى بدعة قبيحة منكرة أشد إنكار، مشتملة على منكرات، فيتعين تركها والإعراض عنها، وإنكارها على فاعلها " ،
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : صلاة الرغائب بدعة باتفاق أئمة الدين كمالك والشافعي وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي والليث وغيرهم والحديث المروي فيها كذب بإجماع لأهل المعرفة بالحديث . ا.هـ
4-الاجتماع والاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج في ليلة السابع والعشرين من رجب :
لم يقم دليل على تعيين ليلته، ولا على شهره ، ولكن أختلف فى ذلك إختلافاً كبيراً والحقيقة مجهولة فوجب الإمساك عن التعيين . " ولم يأت فى الأحاديث الصحيحة تعيين هذه الليلة. فكل ما ورد فى تعينها غير صحيح ولا أصل له " - البداية والنهاية لابن كثير(2/107)، مجموع الفتاوى(25/298)-
وتخصيص تلك الليلة بزيادة عبادة كقيام ليل أو صيام نهار ، أو ما يظهر فيها من الفرح والغبطة ، وما يقام من احتفالات تصاحبها المحرمات الصريحة كالاختلاط والأغاني والموسيقى وهذا كله لا يجوز في العيدين الشرعيين فضلا عن الأعياد المبتدعة ، أضف إلى ذلك أن هذا التاريخ لم يثبت جزما وقع الحادثة فيه ، ولو ثبت فلا يعد ذلك شرعا مبررا للاحتفال فيه لعدم ورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة رضوان الله عليهم ولا عن السلف.
5- تخصيص زيارة المقابر في رجب وهذه بدعة محدثة أيضا فالزيارة تكون في أي وقت من العام.
6- تخصيص رجب بذبيحة وما شابهه:
فقد كان أهل الجاهلية يخصونه بالذبح فنهاهم النبى صلى الله عليه وسلم،
قال الإمام ابن رجب: " ويشبه الذبح فى رجب اتخاذه موسماً وعيداً "
* فنخلص أن المشروع والمطلوب فى هذا الشهر:
ترك ظلم النفس والغير، وهو يقتضى الانكباب على الطاعات والاستزاده من فعل الخيرات وترك المحرمات والمنهيات..
أي: التوبة النصوح والرجوع إلى الله والاستعداد لشهر رمضان لكي تكون من الفائزين فيه ومن عتقاء ليلة القدر، فاستعد من الآن ودرب قلبك وبدنك على العبادة والطاعة والإنقياد والخضوع لله وأوامره.
( أحاديث رجب ) بين الضعيف والموضوع
قال ابن حجر: لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا في صيام شيء منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة، وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ رويناه عنه بإسناد صحيح، وكذلك رويناه من غيره ا.هـ .
ثم ذكر بعد ذلك مجموعة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة نذكر بعضها بشكل موجز، فمن الضعيف:
- حديث: ( إن في الجنة نهراً يقال له رجب ماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل من صام يوماً من رجب سقاه الله من ذلك النهر ).
- وحديث: ( اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان ).
- وحديث: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصم بعد رمضان إلا رجباً وشعبان ).
ومن الأحاديث الموضوعة:
- حديث: ( رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي ).
- وحديث: ( فضل رجب على سائر الشهور كفضل القرآن على سائر الأذكار... ).
- وحديث: ( رجب شهر الله الأصم، من صام من رجب يوماً إيماناً واحتساباً استوجب رضوان الله الأكبر ).
- وحديث: ( من صام ثلاثة أيام من رجب كتب الله له صيام شهر ومن صام سبعة أيام أغلق عنه سبعة أبواب من النار... ).
- وحديث: ( من صلى المغرب في أول ليلة من رجب ثم صلى بعدها عشرين ركعة، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب، وقل هو الله أحد مرة، ويسلم فيهن عشر تسليمات، أتدرون ما ثوابه؟.. قال: حفظه الله في نفسه وأهله وماله وولده، وأجير من عذاب القبر، وجاز على الصراط كالبرق بغير حساب ولا عذاب ).
- وحديث: ( من صام من رجب وصلى فيه أربع ركعات.. لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة أو يرى له ).
- وحديث صلاة الرغائب: ( رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي... ولكن لا تغفلوا عن أول ليلة جمعة من رجب فإنها ليلة تسميها الملائكة الرغائب، وذلك أنه إذا مضى ثلث الليل لا يبقى ملك مقرب في جميع السموات والأرض، إلا ويجتمعون في الكعبة وحواليها، فيطلع الله عز وجل عليهم اطلاعه فيقول: ملائكتي سلوني ما شئتم، فيقولون: يا ربنا حاجتنا إليك أن تغفر لصوم رجب، فيقول الله عز وجل: قد فعلت ذلك. ثم قال صلى الله عليه وسلم: وما من أحد يصوم يوم الخميس، أول خميس في رجب، ثم يصلي فيما بين العشاء والعتمة، يعني ليلة الجمعة، ثنتي عشرة ركعة… ).
- وحديث: ( من صلى ليلة النصف من رجب أربع عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة الحمد مرة، وقل هو الله أحد عشرين مرة... ).
- وحديث: ( إن شهر رجب شهر عظيم، من صام منه يوماً كتب الله له صوم ألف سنة.. ).
فما تقدم جزء يسير من الأحاديث الموضوعة في فضل شهر رجب والقصد الإشارة والتنبيه على عدم خصوصية شهر رجب بصوم أو صلاة ونحو ذلك من العبارات، وما ذكر فيه الكفاية، والله الهادي إلى سواء السبيل والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبة وسلم..